الاثنين، 18 أكتوبر 2010

فوبيا البرمجيات العربية





بقلم: خالد الشقروني


كنت مستغرقا في فرز الملفات و البرامج في حاسوبي و إعادة تنظيمها ، حتى قابلني مجلد لأحد البرامج العربية، و بدافع الفضول قررت تجريب البرنامج و تركيبه. وقبل أن أبدأ بالضغط على الملف Setup.exe و بسبب خبرات سيئة سابقة مع مثل هذه البرامج، والتخوف من أن يقوم البرنامج بالعبث بمحتويات ملفات النظام الرئيسية: أخذت احتياطاتي بالطلب من ويندوز تسجيل نقطة استرجاع حتى أضمن إرجاع حاسوبي إلى الحالة التي كان عليها قبل تركيب البرنامج.




تم تركيب البرنامج، وبدء تشغيله.. وبعد مجموعة من الإزعاجات المتمثلة في شاشات الابتداء الطويلة و المملة لتعلمك بعظمة البرنامج وعظمة من ورائه، الممزوجة بالصوت و الصورة المتحركة، والتي لا ينقصها إلا أن تطلب منك الوقوف احتراما وأداء التحية حتى ينتهي موكب استعراضها، بعد كل هذا استقر البرنامج بأوامره و نواهيه ، حتى تبدأ رحلة العذاب معه.


لا أريد أن أتحدث عن واجهة الاستخدام الحمقاء، ولا عن مجموعة المزركشات و الزخارف المرصوصة غصبا في كل ثنايا البرنامج، و لا عن معرض الألوان و الخطوط، ولا عن احتياطات الحماية السخيفة والغبية لمحتواه، و لا على الشعور المتزايد بالأهمية لمبرمجيه الذي دعاهم إلى جعل البرنامج يغطي كامل الشاشة دون أدنى فرصة للتنقل لغيره من البرامج، و لا .. ولا.. فهذه أمور تعودنا عليها، وليست بيت القصيد هنا.


طبعا قمت بإزالة البرنامج غير آسف.


ما أريد التحدث عنه هنا هو العبث الذي تقوم به مثل هذه البرمجيات على ملفات النظام أو إعداداته.
الذي حدث معي هو أني لاحظت أن مظهر الشاشات في الويندوز قد تغير عن سابق عهدي بها، من حيث الشكل وخطوط العناوين، و حجم الأيقونات، أي أن إعدادات و خصائص العرض قد تم التلاعب بها لتتلاءم والذوق الرفيع لأصحاب البرنامج.


أعلم أن خسارتي هينة، وأن الضرر بسيط يمكن إصلاحه.


ولكن يبقى المبدأ، وهو: عدم إحداث أي تغيير في ملكية دون إذن مسبق من صاحب الملكية. ودون التسبب بأي ضرر.


لكن الكثير من البرمجيات العربية التي صادفتها ليس في واردها هذا الأمر، وتتصرف في الحواسيب التي تستضيفها و كأنها ملكا حصريا لها، وكأننا نحن المستخدمين متسولون على أعتابها.


بعض البرامج تقوم بتقييد بعض عناصر واجهة الويندوز كأن تخفي زر الابتداء أو شريط المهام، أو تضع صورة هنا أو هناك خارج محيطها في أحد مكونات الويندوز. أو تقوم بتغيير الخطوط الافتراضية التي ارتضيتها لبيئة العمل لديك. هذا تطفل و اعتداء على ملكية شخصية.


بعض البرامج تقوم بوضع ملفات DLL أساسية أقدم من تلك التي بالنظام دون عناء التحقق، وكأنها تقول لك برنامجي هو الأساس، و لن تستخدم طول يومك إلا برنامجي فقط. هذا اعتداء و تخريب في ملكية شخصية.


بعض البرامج تقوم بزرع ملفات ساكنة أو متحركة هنا وهناك خارج أماكنها المعلنة لأغراض الحماية و الإخفاء والتضليل و المراوغة.


بل وصل الأمر لبعض البرمجيات العربية لشركة معروفة – أو كانت معروفة- بتغيير محتوى ملفات أساسية لنظام التشغيل مثل GDI و Kernel بحيث تسبب في عدم اشتغال ويندوز إلا بوجودها. هذا اعتداء سافر تعاقب عليه كل قوانين للملكية الفكرية المحلية و الدولية.


بعضهم يذهب أبعد من هذا: في سبيل حماية برنامجه؛ يقوم يدويا بإحداث خدش متعمد للقرص الصلب المراد تركيب البرنامج به، ثم يقوم بتعيين موقع الخدش، حتى يتسنى لبرنامجه أن يتحقق من أن الخدش موجود في الموقع الذي تم تعيينه، و إلا يتوقف البرنامج عن الاشتغال. هذا اعتداء لم يجر تصنيفه بعد.


كل هذا لا يختلف عن الاعتداء على ممتلكاتك خاصة (بالمصطلح الجنائي) ، كأن يدخل أحد إلى غرفة نومك ويعبث بمحتوياتها. أو يأتي لسيارتك ويغير من ملامحها.


هذه الظاهرة المتكررة في برمجياتنا العربية تدعو للأسف، و تجعل الكثيرين و أنا واحدهم يتخوف من تركيب أي برنامج عربي المصدر.


انحراف قليل عن مسار هذه المقالة.


هذه الظاهرة تمتد لتشمل بعض الأفراد أيضا. يأتي صديق لك و يستأذنك في أن يستخدم حاسوبك. تأذن له، فتراه أول ما يقوم به الذهاب لخصائص العرض و إعادة توزيع الأيقونات على سطح المكتب. الأستاذ معذور، انزعج من الفوضى التي سببتها أيقوناتي حبيباتي فأراد تنظيمها. ثم يذهب إلى مستكشف ويندوز فيغير من طريقة عرض الملفات لتناسب مزاجه. والطامة الكبرى إذا تجول داخل الانترنت، فيدخل على مواقع لم يعتادها حاسوبي الخجول، و يقوم بتنزيل ملفات و برامج ثم يشغلها في عين المكان.


هو يقوم بهذا بصفاء نية و حسن سريرة، ولكن هذا لا يمنع من كونه اعتداء و تعد على حرمة ملكية مقدسة.


عودة إلى سياق المقال.


هذا نوع من البرمجيات ذات تأثيرات جانبية مقصودة بسابق إصرار وترصد. و يجب متابعتها وتصنيفها وإصدار قوائم دورية بها ترصد درجة خطورتها، ليكون الناس على بصيرة بها.


قد أكون مبالغا في طرحي هذا، ربما كان لغيري تجارب أكثر إيجابية، ربما سوء ظني هو ما يوقعني في مثل هذه البرمجيات، فتفاءلوا خيرا تجدوه، و لكنه قانون بافلوف وفعله في النفس، فمجرد التفكير بتركيب أو تشغيل برنامج عربي المصدر؛ ارتعب و يصيبني الرهاب و أدخل في حالة أسميها: فوبع، أي: فوبيا برنامج عربي.